تفاح الشمال: الدولة خارج السمع والمزارعون يرفعون الصلوات
مرسال الترس
بات جميع المزارعين في محافظتي الشمال وعكار وفي كل المواسم والفصول يرتكزون على رفع الصلوات إلى العلي القدير كي ينقذهم مما هم فيه من أزمات، بعدما تحولت الدولة إلى كتلة من المآزق وفي عجز كلي وخارج السمع.
أحدث الكوارث هو موسم التفاح الذي كان يتكئ إليه آلاف المزارعين وعائلاتهم في اقضية زغرتا – اهدن، عكار، البترون وبشري، ولكنه تحوّل منذ سنوات وتحديداً في السنتين الأخيرتين إلى عبء حقيقي على كواهلهم. فهم مضطرون للاعتناء بعشرات آلاف الاشجار على مدار السنة، وعند موسم القطاف يقفون متفرجين على جهودهم تذهب هباء، متحملين الأعباء المالية الباهظة بعد أن كان موسم هذه الفاكهة يؤمن لأكثريتهم تغطية المعيشة طوال أيام السنة، والملاذ لإخراجهم من العوائق التي تعترضهم.
أحد ابرز مصدري ومستوردي الخضار والفواكه في محافظتي الشمال وعكار بدوي ديب استهل حديثه إلى موقع “احوال” بالقول “الدولة غير موجودة، ولذلك هناك الآف عائلات المزارعين تعتبر موسم التفاح ملجأها الاساسي وهي باتت امام كارثة محققة”. فمنذ عشرات السنين كانت الدولة تمد اليد إلى المزارعين (ولو بالقطارة) في أكثر من مجال، إن في الأدوية الزراعية أو السماد او تصريف الإنتاج، ولكن على من نتكل اليوم؟ فنحن متروكون لمصيرنا.
وأوضح ديب رداً على سؤال عن حجم الإنتاج فقال “يَتصدر قضاء بشري كمية الإنتاج في مناطقنا بنحو مليون ونصف المليون صندوق في مواسم الذروة (وزن الصندوق عشرون كيلوغرام)، ويليه قضاء البترون، ومن ثم زغرتا – اهدن فعكار الذي ارتفع إنتاجه في السنوات الأخيرة بنسبة ملحوظة. ولجمع المحصول هذه السنة في هذه الأقضية كانت هناك كلفة مرتفعة نتيجة تدهور أسعار الليرة الأمر الذي أدى إلى إرتفاع اجور عمال القطاف إلى نحو الضعفين، وتخطت أجرة العامل في بعض المناطق المئة الف ليرة في اليوم الواحد، ناهيك عن أسعار كلفة التقليم والأدوية والأسمدة التي بات التجار يحتسبونها بالدولار الأميركي لأن معظمها مستورد من الخارج.
أما عن مسألة التبريد فقال “حدّث ولا حرج”. فهناك في المبدأ نحو 25 براد كبير في المحافظتين ومثلها من البرادات الصغيرة، ولكن إرتفاع أسعار المحروقات وتسعير مادة المازوت المحورية في التبريد بالدولار جعل الأسعار خيالية. حيث أن متوسط تبريد الصندوق الواحد هو اربعة دولارات ونصف، هذا إذا فتحت جميع البرادات، أضف إليها الأكلاف الأخرى. فكيف سيتم تصريفها بالداخل وبأية أسعار، وهل يستطيع المواطن تحمّلها؟ وما هي الكميات التي يمكن تصريفها في السوق اللبناني المحدود جداً؟.
وعن تسهيلات التصريف إلى الخارج ولاسيما الدول العربية لفت ديب إلى موقف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي أكد فيه أن “بلاده بصدد إعتماد المعايير الأوروبية في الاستيراد. ومصر تصنّف عادة بأنها من الدول الأولى المستوردة للتفاح اللبناني، وهذا سيكون ضربة قاصمة لنا في المنافسة أو التصدير. لأننا غير مؤهلين أصلاً لإعتماد المعايير الأوروبية التي تطال النوعية والأدوية والأسمدة المستعملة وما إلى ذلك! من دون ان ننسى إغراق السوق اللبناني في الكثير من الأحيان بالتفاح التركي أو من دول أخرى”.
وأضاف “في حين نلاحظ ان بعض المسؤولين والسياسيين يهتمون بتصريف إنتاج مناطق محددة دون سواها عبر إتصالات شخصية مع بعض السفارات، فهذا لن يغطي العجز العام في هذا المجال، لذلك المطلوب من الوزارات المعنية وإدارات الدولة أن تكون فاعلة”.
وإزاء هذا المشهد السوداوي والوعود التي أُطلقت على لسان هذا السفير أو ذاك القنصل، فإن مزارعي تفاح الشمال يعيشون حالة ضياع كامل وقد يجدون انفسهم بعد وقت قصير على قارعة الطريق مع إنتاجهم باللونين الأحمر والأبيض.